اربـد تنتصر للمجاهد ابراهيم هنانو
لجأ المجاهد ابراهيم هنانو الى الاردن ، وكان بضيافة الامير عبدالله، وقرر السفر الى القاهرة، فسلمه الامير كتابا للمندوب السامي البريطاني لتسهيل سفره الى القاهرة، ولكن السلطات البريطانية اعتقلته وسلمته الى السلطات الفرنسية يوم 14 اب 1921م، فهب الشعب الاردني هبة واحدة، وانطلقت المظاهرات في عمان والسلط واربد، وقام الجنرال «بيلك» باعتقال مجموعة من الاردنيين من بينهم: علي خلقي الشراريي، والاخوين صالح وتوفيق النجداوي، وظلت المظاهرات في مدينة اربد مستمرة حتى افرجت السلطات الفرنسية عن ابراهيم هنانو، يقول الشيخ تركي: «سمعنا خبر اعتقال ابراهيم هنانو «قائد الثورة في الشمال السوري» من الشيخ ضيف الله الشبول «من قرية الشجرة» حيث كنا في زيارة الى الامير محمود الفاعور، المخيم مع جماعته في عين راحوب، وكان معي في الزيارة: سليمان السوري، وعبدالقادر التل ومنصور القاضي، ومحمود الفنيش، ودخل علينا ضيف الله غاضبا يلعن الانكليز لانهم لم يحترموا مشاعر الامير الذي توسط للمجاهد السوري هنانو عند المندوب السامي بتسهيل سفره الى القاهرة، فتحركنا فورا الى اربد، وطلبنا من التجار اغلاق دكاكينهم، واعلنا الاضراب، وابرقنا الى الامير عبدالله نستنكر ما قام به الانكليز، واعتبار فعلتهم المشينة اهانة للشعب الاردني والى هيبة الحكم بعامة، وفي اليوم التالي اجتمعنا في مضافة آل التل، وقررنا اعلان الاضراب والمظاهرات بعد صلاة الظهر الى جانبنا قوات الدرك وكان ذلك اليوم مشهودا لجميع مشايخ ووجهاء عائلات اربد، وعندما زار الامير عبدالله مدينة اربد قال لوجهائها: انتم نخوة الوطن، وعزوتي في الشدائد، والحمد لله لم يصب ضيفنا هنانو الاذى الذي كنا نتوقعه من الفرنسيين، ولو حصل لكان خيبة لنا جميعا...».
كتاب مفتوح من عبد القادر التل الى الامير عبدالله حول المضايقات التي تتعرض لها الحركة الوطنية
تركي والمعارضة السياسية :
يوضح لنا الكتاب المفتوح الذي وجهه السيد عبدالقادر التل الى سمو الامير عبد الله بن الحسين بتاريخ 11 شباط 1925م، ونشرته جريدة الكرمل في حيفا بتاريخ 21 شباط 1925م، بمناسبة توقيع عريضة مع عدد من الشيوخ حول:
1- تأسيس مجلس نيابي
2- ترجيح تعيين الاكفاء للوظائف من ابناء الاردن
3- سن قانون وتشكيل مجلس تعود له مسؤولية النظار «الوزراء»
4- حل حزب «ام القرى» حزب رئيس المجلس التنفيذي علي رضا الركابي.
ويعدد في كتابه المضايقات التي تعرض لها هو وغيره من وجهاء المنطقة الذين يطالبون بحقوقهم او ينتقدون الاعمال التي لا تقبلها العدالة كحجز سليمان باشا، السودي في بلدته، ومنعه مبارحتها، ومراقبة الشيخ تركي الكايد ومنعه من الاختلاط بالناس في اربد وعمان، «وجلبهما من بلدتيهما الى المركز عند اللزوم واعادتهما اليهما مخفورين بالجند»
واضاف الزعيم الوطني عبدالقادر التل «ان الهدف من هذه الاعمال ان يكون الاهالي صما بكما عميا اذلاء خاضعين لكل غدر يقع عليهم».
وانهى «التل» كتابه المفتوح ملتمسا من الامير عبدالله ان يطبق القانون ان كان هو وغيره من زعماء المنطقة يخالفون القانون «واذا كانت هذه الاعمال كيفية فارجو الضرب على ايدي كل من يتجرأ على ايقاعها ويعبث بحرية الشرع والقانون لتسود الحرية المطلقة، والعدل الذي هو اساس الملك في بلاد انت اميرها».
يقول الدكتور ممدوح الروسان في محاضرته يوم 5نيسان 1998م، بجامعة اليرموك عن الكتاب المفتوح الذي ارسله عبدالقادر التل الى الامير عبدالله، ونتائجه ما يلي: «بسبب ذلك تعرض عبدالقادر التل للمضايقة، واخرج من العاصمة، ولما وصل اربد داهم بيته وكيل الحاكم الاداري توفيق سنو مع الجند في الساعة الثالثة والنصف صباحا، وكان عنده في بيته انئذ ضيفا سليمان باشا السودي، فاخذه الشرطي واخرجه من البيت وسلمه لوكيل الحاكم».
وتكررت المطالبة بوضع دستور للبلاد، وتأسيس مجلس نيابي منتخب، ففي تشرين الاول 1926م، زار دار الحكومة في عمان وفد مؤلف من عشرين من رجالات البلاد منهم: مثقال الفايز، وعلي حديثة الخريشا، وزعل المجالي، ومحمد المحيسن، وصالح العوران، وعيسى مدانات، وعبدالمهدي الشمايلة، وشمس الدين سامي، وطاهر الجقة، وتركي كايد عبيدات، وعبدالقادر التل، وسليمان السودي وقدموا هذه المطالب لرئيس الوزراء حسن خالد ابو الهدى الذي وعدهم بتلبية هذه المطالب بعد عرضها على الامير عبدالله.
وعندما زار الامير عبدالله مدينة اربد في 25 تشرين الاول، طالبه وجهاء المنطقة بمجلس نيابي، وتحدث في هذا اللقاء الشيخ تركي الكايد، بالنيابة عن مشايخ المنطقة، وركز في حديثه على تأسيس المجلس النيابي بدلا من المجلس التشريعي. واتهم في حديثه رئيس الوزراء حسن خالد ابو الهدى «بمخالفة تعليمات وتوجيهات سموكم، وانه لا يضعك في صورة رغائب الشعب، ويهددنا دائما بقانون منع الجرائم، وكأن المطالبة بحرية الشعب، وتحقيق العدالة من الجرائم التي يعاقب عليها القانون، نريد من رئيس المجلس التنفيذي «رئيس الوزراء» ان يحكم البلاد بموجب تكليفك السامي له وليس بموجب تعليمات واوامر المعتمد البريطاني» فرد الامير عبدالله بقوله: «انه من السابق لاوانه تلبية طلبكم، ويكفيكم، الان المجلس التشريعي، وعندما تثبت الامة كفاءتها وقدرتها على تولي المصالح العامة يقوم مجلس نيابي».
- الموقف من معاهدة 1928م :
وقع حسن خالد ابو الهدى بالنيابة عن الامير عبدالله، واللورد «بلومر»، المندوب السامي البريطاني في فلسطين، بالنيابة عن ملك بريطانيا، المعاهدة الاردنية- البريطانية، في 20 شباط 1928م، وكانت هذه المعاهدة من اعداد وزارة المستعمرات البريطانية، ولم تجر بشأنها مفاوضات بين الاردن وبريطانيا. شأنها في ذلك شأن القانون الاساسي «الدستور» الذي صدر في نيسان 1928م.
وعلى اثر نشر المعاهدة اضربت منطقة عجلون «اربد» عن العمل في 9 نيسان/1928م، وابرق عدد من الشيوخ والزعماء الى الامير عبدالله يقولون: «نحتج بشدة على المعاهدة، نحيطكم علما ان الامة لا تقبل قطعا معاهدات اشبه بصكوك الاستعباد» واستمر الاضراب حتى يوم 13 نيسان/1928م، واعتقل عدد من زعماء المعارضة يذكر منهم الدكتور ممدوح الروسان: «مصطفى وهبي التل- علي خلقي الشرايري- سليمان السودي- راشد الخزاعي- عبدالقادر التل- نجيب الشريدة». اما الشيخ تركي الكايد فقد احتجز في خيمة مجاورة لخيمة الامير عبدالله لمدة ستة ايام كان خلالها يحاور الامير في سيئات المعاهدة، ويحاول الامير اقناعه بانها معاهدة مؤقتة لا بد من وقوعها في ظروف الانتداب، وهي التي لو اقرت سيتحقق تأسيس المجلس النيابي، وبعد ذلك سنطالب بتعديل الكثير من موادها، الا ان الشيخ تركي اصر على موقفه رافضا المعاهدة بكل بنودها، يقول في ذلك الشيخ احمد تركي عبيدات: «كان والدي من بين الشيوخ وزعماء منطقة عجلون الذين ابرقوا لسمو الامير عبدالله، يحتجون على المعاهدة البريطانية، وكان اسمه من الاسماء التي اختارها حسن خالد ابو الهدى للاعتقال والنفي، واستخدام القوة، وتطبيق قانون منع الجرائم بحقهم، الا ان الشيخ كليب الشريدة تطوع امام الامير بمحاولة اقناع والدي بحسنات المعاهدة، او ببعض بنودها، فاستدعي للديوان الاميري وكان برفقته الشيخ كليب، وكان كليب يحرص على عدم تعرض والدي للاذى بحكم الخؤولة بينهما، واستمرت المفاوضات بينهم لاكثر من ستة ايام، ولما عرف والدي باعتقال سليمان السودي وعبدالقادر التل وراشد الخزاعي، اعتبر نفسه بحكم المعتقل ولكن بطريقة مختلفة، ويبدو ان الامير تفهم موقف والدي بعد ان قال له: «لقد قاتلت مع والدي في معركة تل الثعالب، واستشهد والدي وكدت ان اقتل مثله، دفاعا عن فلسطين والاردن، حملت السلاح ضد اليهود والانجليز عام 1920م، وليس من المعقول ان اوافق على سياستهم في الاردن، وهذه المعاهدة مؤامرة على البلاد والعباد، وعلى استقلال امارتكم، وعلى هيبة الحكم والنظام، وانت سيد البلاد...» وفي يوم 27 نيسان 1928م، قام الامير بزيارة الى مدينة اربد وتجدد الحوار حول المعاهدة الا ان زعماء المعارضة في الشمال اصروا على مواقفهم السابقة، واشير الى ان عارف العارف رئيس الحكومة بالوكالة قام باطلاق سراح المعتقلين». عن لقاء الامير عبدالله بزعماء المعارضة في الشمال، يقول الدكتور ممدوح الروسان في ندوة «رواد من الاردن» التي عقدها «المنتدى الثقافي- اربد» يومي 4-5 نيسان 1998م، ما يلي: «التقى الامير عبدالله مع زعماء المعارضة في ديوان قائد المنطقة، وقد ابتدأ حديثه مع زعماء المعارضة بقوله: نحمد الله على اعتدال الطقس، ونحمده ايضا على اعتدال القلوب التي كانت قد تغيرت علينا.. فاجابه سليمان السودي بقوله: وان كان الطقس قد اعتدل فالقلوب على ما تعهد سموك من الاخلاص للسدة الهاشمية، اخلاصنا يزيدها ثباتا على مبادئها الوطنية، واستمرارا على رفض المعاهدة. ولم تنجح مساعي الامير باقناع المعارضة باهمية المعاهدة، فسارع رئيس الحكومة حسن خالد ابو الهدى واتهمهم بالعمل على الحاق الاردن بفلسطين».
لم تمر غلطة رئيس الحكومة بدون رد فعل من قبل سليمان السودي، وعلي خلقي، وتركي الكايد، وعلى نيازي التل، وكان كلام ورد النيازي شديد اللهجة فخاطبه قائلا: «نحن لم نقل، ولا يمكن ان نقول بالحكم المباشر ولا بالانضمام الى فلسطين، ولا يمكننا ان «نتنكلز» اي «المشايعة للانكليز» كما- تنكلز، وتصهين سوانا من سماسرة روتنبرغ». وكان يقصد حسن خالد ابو الهدى.
وعن فشل المفاوضات مع زعماء المعارضة في الشمال الاردني، يقول الدكتور ممدوح الروسان: «وقد غادر الامير اربد دون اقناع المعارضة في المعاهدة، وطلب ارسال وفد الى عمان بردهم النهائي، وذهب وفد الى عمان مؤلف من : علي خلقي الشرايري، والشيخ عمر الملكاوي، وعلي نيازي التل، وابلغوا الامير رأي المعارضة وهو رفض المعاهدة، فطلب الامير من متصرف اربد إشخاص زعمائها اليه باسرع ما يمكن املا في ان يغيروا رأيهم الذي ابلغه علي خلقي وعلي نيازي والملكاوي للامير، ولكن المعارضة ابلغوا الامير بانهم على مواقفهم من رفض المعاهدة».
ويذكر سليمان الموسى في كتابه «امارة شرقي الاردن» ان زعماء المعارضة في الشمال الاردني هم : محمد صبحي ابو غنيمة، مصطفى وهبي التل- عبدالعزيز الكايد- سلطي الابراهيم الايوب- علي نيازي التل- احمد التل «ابو مصعب» سالم الهنداوي- محمود العواد حجازي- محمد الرفاعي- قاسم الهنداوي- فالح السمرين البدارنة- محمود الفنيش النصيرات- والوجهاء هم الذين مثلوا لواء اربد في المؤتمرات الوطنية من المؤتمر الاول الى المؤتمر الخامس...
مفهوم المعارضة السياسية عند الشيخ تركي :
يمكن اعتبار عام 1928م، عام تأسيس المعارضة الاردنية، لانها ولدت على خلفية المعارضة للمعاهدة الاردنية البريطانية، وكانت ادارة المعتمد البريطاني، ترى ان المصالح الشخصية هي التي كانت وراء اسباب نزوع الشخصيات الاردنية الى المعارضة، بينما كانت الحكومة الاردنية ممثلة بامير البلاد الامير عبدالله، ترى غير ذلك، ولم تنتقص من وطنية هؤلاء الرجال الذين رفعوا شعار المعارضة، وكان الامير حريصا على عدم فك الارتباط بهؤلاء الرواد الذين رفضوا المناصب الكبيرة في ظل سلطة الانتداب.
وعن مفهوم المعارضة عند الشيخ تركي نقتبس من حديثه للاذاعة الاردنية عام 1972م، الفقرات التالي:
- «لم تكن المعارضة محكومة للمصالح الشخصية كما كان يزعم المعتمد البريطاني، انما كانت لاجل الوطن وكرامته وحريته، ولم نكن ضد سلطة الامير عبدالله بل كنا ضد سلطة القرار الانجليزي الذي صادر حرية القرار الوطني، ولو كنا مع سياسة الامر الواقع لما تعرضنا لضغوطات ومراقبات ونفي وابعاد. رفضت كل الاغراءات، واعتذرت عن الوظائف الرسمية لانها تبعدني عن اهلي وعشيرتي ومنطقتي، وفضلت ان اكون زعيما على منطقتي لارعى مصالحهم الاجتماعية، فهم بحاجتي اكثر من حاجتي للوظيفة مهما كانت، وهذا القرار اتخذته منذ 1921م، واخر وظيفة رسمية او شبه رسمية، عضويتي في حكومة اربد المحلية...»
- «كانت حركتنا شريفة ومخلصة لله والوطن، واهدافنا كانت واضحة، حتى ان الامير عبدالله تفهمها جيدا، على الرغم من ان حسن خالد ابو الهدى كان حريصا على ان لا يفهمها، علما بان اهدافنا هي نفسها التي كان الامير يطالب الانكليز بانجازها، وبخاصة تعديل المعاهدة، لم تكن مطالبنا تعجيزية، بل كانت تمثل رغائب الشعب، وهي بالاساس قائمة على حق الانسان في وطنه».
- «تركزت اهداف المعارضة على تحقيق ما يلي:
1- تعديل بنود المعاهدة البريطانية الاردنية كمرحلة اولى ثم الوصول الى الغائها تماما.
2- فصل سلطات المجلس التشريعي عن سلطات المجلس التنفيذي.
3- التمسك بمبادئ الحكم الدستوري
4- الغاء قانون منع الجرائم وعدم تطبيقه على القوى السياسية الوطنية.
5- رفع نير الانتداب عن بلدنا
6- استمرار المطالبة والدعوة للوحدة العربية او على الاقل في تلك الظروف وحدة بلاد الشام اولا، ثم وحدة بلاد الشام مع العراق.
لذلك كان الامير عبدالله يقول: معارضتكم كانت بهدف وطني ولا خلاف بين مطالبكم ومساعينا لتحقيقها...»
وعن الاختلاف بين المعارضة والحكومة حول توسيع دائرة الثورة الفلسطينية بايقادها ضد المؤسسات الانكليزية في الاردن، يقول الشيخ تركي: «بعد الثورة الفلسطينية، قررت المعارضة الاردنية توسيع دائرة العمل ضد الانكليز، وضربهم ومؤسساتهم في الاردن، وتلقينا عدة رسائل من فلسطين ودمشق من اجل التحريض على الثورة، والتعاون مع المجاهدين. وكنا نختلف مع الحكومة حول ذلك لان وجهة نظرها ان العمليات في الاردن تلحق الضرر بالاهلين، وتزعزع اسقلالها الداخلي، ولا تعود بالفائدة على فلسطين، وكان رأينا غير ذلك، لذلك تعرضنا للمضايقة والمساءلة الامنية، ووجهت لي شخصيا عدة تهم، من بينها التنسيق مع المشايخ والوجهاء باعلان التمرد على الدولة، وتخريب العلاقات مع سلطة الانتداب البريطاني، وكذلك الاتصال مع المعارضة المقيمة في دمشق، وزعمت الاجهزة الامنية بانها تملك وثائق الاثبات ضدنا.
كان الامير عبدالله مع نضالنا السياسي ولكنه غضب من الاعمال الطائشة وعاتبنا على السكوت عنها لاننا لم نستنكرها، مثل: القاء القنابل على دار الحكومة باربد، والهجوم على مخفر كريمة وام الرمان، والهجوم على دار الحكومة بجرش، وقطع الاسلاك البرقية والهاتفية ما بين اربد ودرعا/ وجرش عمان».
كان الشيخ تركي، يملك القدرة على المصالحة الحقيقية بين الذات والموضوع، وبين الزعيم الوطني والزعيم العشائري، وبين الواجب الوطني بشرف الانتماء ومهمة الرجل السياسي المعارض، حيث ان قضايا الوطن، زمن تركي وجيله، لم تكن كلها محل اختلاف بينهم، فلم يختلفوا على تحرير الوطن من الاستعمار، ولا على هويته العربية الاسلامية، ولا على اولوياته في التنمية والاستقلال والاعتماد على الذات، ولكن الصحيح ايضا هو ان تركي الكايد له رؤية محددة للمشروع الوطني من موقع الممارس بالكلمة وبالبندقية، اي بالقول والفعل، ومعركة «تل الثعالب» تشهد له على ذلك، لا من موقع «المنظر» وضمن اطار التجريب لا من خلال الشعار ومفرداته وذيوله....
ديوان آل التل يحتضن المؤتمر الوطني لنصرة ثورة البراق
العمل السياسي في الاطار الحزبي :
درجت الابحاث التاريخية المعاصرة على اعتبار القرن التاسع عشر نقطة انطلاق في تبلور الافكار القومية الحديثة، التي شكلت في اغلب الاحوال البدايات النظرية الاولى لمعظم التيارات والحركات السياسية التي برز اغلبها بصورة عملية في النصف الاول من القرن العشرين.
ولسبب ما عمد العديد ممن درسوا الحقبة المذكورة الى قراءة افكار هذه التيارات والحركات السياسية، كموضوعات قائمة بذاتها، افرزتها مرحلة من الوعي السياسي والاجتماعي والحقوقي، افترض هؤلاء سلفا انها تشكلت في اوساط المتنورين من رجال الادب والدين والسياسة في بلاد الشام. وتظهر الوثائق التاريخية الجديدة ان بعض القراءات المذكورة، كانت مدفوعة ومشفوعة برومانسية الدارسين، يوم كان النص التاريخي يشكل في مضمونه استحقاقا سياسيا في معركة البحث عن هوية قومية.
فالجمعيات والاحزاب السياسية التي تأسست في مطلع القرن العشرين، كانت موزعة في مواقفها وموالاتها ما بين المحاور التالية:
- محور فرنسي الاتجاه، يسعى الى استقلال سورية ولبنان في دولة واحدة تدار من قبل فرنسا.
- محور بريطاني، بأدبيات عربية وشعارات مؤثرة، يعمل على استقلال العراق.
- محور عثماني، يطالب بالوقوف الى جانب تركيا، بدوافع اسلامية شديدة العضوية. ويطالب بالاستقلال الاداري الذاتي، وبعض الاصلاحات على مستوى الحقوق والتعليم.
- محور عربي استقلالي، يطالب بقيام دولة عربية تجمع بلاد الشام والعراق والجزيرة العربية، في دولة عصرية، تحقق حلم الاوساط العامة في الوحدة، وقد انضم الى هذا المحور بعد الحرب العالمية الاولى معظم اطراف المحور العثماني، ويندرج في سياق هذا المحور «الجمعية العربية الفتاة» و «الجمعية القحطانية» و «جمعية العهد» وجميع هذه الجمعيات حسمت موقفها الى جانب الشريف الحسين بن علي، بعد اعلان الثورة العربية الكبرى عام 1916م.
وقد دلت اوراق ومذكرات اللواء علي خلقي الشرايري، واحمد الروسان، وتركي الكايد عبيدات، ومحمد جلال القطب، على ان الشخصيات الاردنية العسكرية انتسبت الى جمعيتي القحطانية والعهد عن طريق علي خلقي الشرايري. اما زعماء العشائر والقوى الوطنية الاخرى، فكان انتسابهم عن طريق زعماء حوران، اما الشخصيات الثقافية والمتعلمة، فكان انتسابهم عن طريق المناضلين الكبيرين الدكتور محمد صبحي ابو غنيمة والشاعر مصطفى وهبي التل.. وبعد ان تحولت الجمعية العربية الفتاة الى حزب سياسي عرف باسم «حزب الاستقلال»، انتسب الى هذا الحزب اكثر من عشرين اردنيا، يقول الدكتور ممدوح الروسان: «على اثر تأسيس الامارة الاردنية، نقل الاستقلاليون نشاطهم من سورية الى عمان، فبالاضافة الى اعضاء اللجنة المركزية من الاردنيين امثال احمد ابو راس، ومحمد علي العجلوني، فقد انضم للحزب كل من: راشد الخزاعي، ومثقال الفايز، وسليمان السودي، وتركي الكايد عبيدات، وعبدالقادر التل، وطاهر الجقة، وسالم الهنداوي وحديثة الخرابشة».
بالاضافة الى «حزب الاستقلال» ، شارك الشيخ تركي في العمل السياسي من خلال عضويته في عدد من الاحزاب التي شهدتها الساحة الاردنية في الفترة ما بين عام 1921 وحتى عام 1954م، وهي :
1- حزب الشعب الاردني :
تأسس هذا الحزب في اذار 1927م، وهو اول حزب اردني، ترأسه السيد هاشم خير، وكان تركي الكايد عضوا في هيئته التأسيسية الاولى، ثم في العام التالي جرت انتخابات لهيئته التأسيسية واصبح تركي الكايد عضوا عاملا في الحزب.
2- جمعية انصار الحق :
تشير اوراق السيد عارف العارف «نائب رئيس الوزراء انذاك» الى ان الشيخ تركي الكايد انضم الى هذه الجماعة مع حسين الطراونة وسليمان السوري، في يوم الاربعاء 8/8/1928م، اي بعد اسبوعين تقريبا من انعقاد المؤتمر الوطني الاردني الاول، الذي انعقد في 25 تموز 1928م.
وفي يوم 13 اب 1928م، وضعت الجمعية ميثاقا لعملها ونصه: «اقسم بالله القهار، وكل ما احترم من مبادئ الشرف، انني اخدم غاية اخوان الحق المقدسة في نهضة الامة العربية، واستقلالها وفي كل ما يقررونه من عمل صالح. وان اصون اسرارهم، واخلص لتعاليمهم، واتضامن معهم، مناصرا كل فرد من افرادهم قلبا وروحا ويدا، اللهم اشهد».
ولقد ورد اسم تركي الكايد في قائمة اسماء اعضاء الجمعية في اخر اجتماع عقدته بسرية تامة، يوم الجمعة ليلة 6 كانون الثاني 1929م، وعددهم ستة عشر عضوا.
3- حزب اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني:
سعى العاملون في المؤتمر الوطني الى اضفاء الشرعية على عملهم من خلال العمل الحزبي وذلك بعد ابلاغ الحكومة الشيخ حسين الطراونة رئيس المؤتمر الوطني «انه بحكم القانون لا يجوز له ولمن معه ان يستمروا في العمل السياسي باسم المؤتمر». وقد ابلغوا الحكومة برغبتهم في تأسيس حزب سياسي باسم «حزب اللجنة التنفيذية»، وذلك بتاريخ 10 نيسان 1929م، واعتبروا الميثاق الوطني منطلقا لعملهم السياسي على الساحة الاردنية، وكان تركي الكايد عضوا عاملا في الهيئة الادارية لهذا الحزب، وعضوا نشطا في المؤتمرات الوطنية الخمسة «1928-1934»
4- الحزب الوطني الاردني:
تأسس الحزب الوطني الاردني في دمشق، كامتداد لحزب اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني، وتألفت قيادته من الدكتور محمد صبحي ابو غنيمة، وعادل العظمة، وسليمان السوري، ومحمد علي العجلوني، وراشد الخزاعي، ومن اعضائه العاملين، تركي الكايد عبيدات، سالم الهنداوي، ومحمود الخالد الغرايبة، واحمد التل «ابو مصعب»، وشخصيات اخرى.
وقد اتهم الحزب بالتآمر على الدولة الاردنية، ولكن المحكمة برأت المتهمين، عن هذه التهمة، يقول الشيخ تركي الكايد: «التهمة بالتآمر على الدولة كانت تهمة باطلة وهي من تركيبة ابو الهدى وبطانته، وبتشجيع من المعتمد البريطاني، والشخص الوحيد من اركان الحكم الذي لم يصدقها هو الامير عبدالله، لان مقومات التآمر غير متوفرة بايدي المعارضة، وكان الهدف المهم للحزب هو الاستقلال بقيادة الامير عبدالله وليس بقيادة ابو غنيمة، فالرجل «ابو غنيمة» لم يكن من الذين تغريهم الكراسي، وهمه الوطني حرية البلاد واستقلال الوطن، ولو كان غير ذلك لقبل منصب رئيس وزراء، ولكنه اعتذر لانه يريد استقلال الاردن من الانتداب البريطاني اولا واخيرا، وجميعنا كنا في هذا الاتجاه، ولم تستطع المحكمة اثبات هذه التهمة لانها باطلة من اساسها، اما التهمة الثانية، فكانت من الاصدقاء والاخوة، وهي تهمة «الاقليمية» اي ان نضالنا كان بعيدا عن التوجه القومي، وهذه ايضا تهمة باطلة وغير صحيحة، فاسم الحزب بهذه التسمية «الحزب الوطني الاردني» لا يعني ابدا التنازل عن اهداف الاردن الوحدوية».
وعن الشخصيات الاردنية التي استنكرت سياسة الحزب واتهمته بالاقليمية، يقول الشيخ تركي: «لم تكن هذه الشخصيات بعيدة عن توجهاتنا، ولكنها تأثرت بالدعاية ضدنا، واخيرا تفهمت حقيقة اهدافنا الوطنية.. وقد تزعم هذا الجناح اخوانا الشيخ محمود الفنيش زعيم ناحية بني عبيد، ورفع برقية «بتاريخ 24/6/1937» استنكر فيها تصريحات الدكتور ابو غنيمة وسليمان السودي، ووقع معه على البرقية، غازي ابو الشعر، وقبيل سليمان الطريح».
5- حزب النهضة العربي:
تأسس هذا الحزب عام 1947م، واستمر في عمله حتى عام 1950م، وكان برئاسة السيد هاشم خير، وعضوية حسين الطراونة، وعبدالرحمن ارشيدات، وسليمان السودي، وتركي الكايد، ولم يستمر الشيخ تركي بسبب لجوئه السياسي الى دمشق.
6- حزب الشعب الاردني:
تأسس عام 1952م، برئاسة السيد عبدالمهدي الشمايلة، وعضوية تركي الكايد، وسليمان السودي، ومحمد علي العجلوني، ومحمد اخو رشيده.
7- حزب الجبهة الوطني:
تأسس في 9 ايار 1954م، الا ان الحكومة رفضت الترخيص له، ومارس عمله السياسي بالسر، ووقع على طلب الترخيص: تركي الكايد، وسليمان السودي، والدكتور نبيه رشيدات، واحمد الحمود، وفايز الروسان.
المؤتمرات الوطنية والعربية:
شارك الشيخ تركي بجميع المؤتمرات الوطنية والعربية التي عقدت في الاردن وفلسطين وسورية، وسنتحدث بايجاز عن هذه المؤتمرات:
1- مؤتمر زعماء الشمال لنصرة ثورة البراق:
عقد هذا المؤتمر في ديوان آل التل باربد في حزيران 1930م، وجاءت الدعوة لانعقاده اثر صدور حكم الاعدام بحق ثلاثة من الفلسطينيين هم: فؤاد حجازي، وعطا الزير، ومحمد جمجوم، وقرر المؤتمرون اعلان الاضراب في مدينة اربد، وقامت المظاهرات التي سارت في شوارع اربد، منددة بالاستعمار البريطاني ومستنكرة احكام الاعدام بحق زعماء ثورة البراق، وقاد المظاهرات اعضاء حزب اللجنة التنفيذية في لواء عجلون، وهم: عبدالقادر التل، تركي الكايد عبيدات، سليمان السودي، فواز بركات الزعبي، محمود الخالد، محمود الفنيش النصيرات، ناجي العزام، راشد الخزاعي.
وقد حاول فريق منهم مقابلة الامير عبدالله في ساكب، ولكنهم لم يتمكنوا نظرا للاحتياطات التي اتخذها قائد الجيش انذاك الجنرال فريدريك بيك، فابرق المؤتمرون الى الملك البريطاني يناشدونه عدم تنفيذ حكم الاعدام.
2- المؤتمر العربي الاسلامي:
عقد هذا المؤتمر العربي في القدس يوم 1/12/1931م، وهو من اخطر المؤتمرات العربية والاسلامية، التي حولت القضية الفلسطينية من قضية عربية الى قضية اسلامية، وقد تراوح عدد المشاركين فيه ما بين 140 الى 155، اما عدد الاردنيين فكانوا 39 عضوا، وقد شارك الشيخ تركي باللجان الاتية:
- لجنة الاماكن المقدسة
- لجنة سكة حديد الحجاز
ومن ابرز قرارات المؤتمر:
1- الدعوة الى توحيد البلاد الاسلامية.
2- تأسيس مصرف عربي في القدس
3- منع بيع الاراضي لليهود.
4- تأسيس جامعة عربية في القدس
وتنفيذا لتوصيات المؤتمر شكلت لجان فرعية في مختلف انحاء الاردن، ففي اربد عقد اجتماع كبير في منزل الشيخ مفلح السعد البطاينة يوم 13/7/1932م، تشكلت على اثره لجنة برئاسة الشيخ سليمان السودي وعضوية 11 عضوا من بينهم الشيخ تركي الكايد، وقد ارسل المحامي برهم سماوي برقية لهذه اللجنة «متمنيا لزعماء المسلمين النجاح لما فيه خير الاسلام والعرب، تحت لواء الاتحاد والتضامن لاعلاء شأن الاسلام والمسلمين، مبديا استعداد المسيحيين العرب لعضدهم والسير معهم في سبيل المصلحة المشتركة».
3- مؤتمر بلودان:
افتتح هذا المؤتمر يوم 8 ايلول 1937، في مدينة بلودان «غرب دمشق» برئاسة دولة السيد ناجي السوري احد رؤساء الوزراء في العراق، وبمشاركة 411 عضوا مثل الاردن بهذا المؤتمر 39 عضوا، ومثل لواء عجلون السادة: تركي الكايد عبيدات، سليمان السودي، سالم الهنداوي، قاسم الهنداوي، محمد حجازي، الدكتور محمد صبحي ابو غنيمة، خلف التل، شحادة التل، عبدالقادر التل، احمد التل «ابو مصعب»، راشد الخزاعي، خالد حجازي، علي الهنداوي.
وقد اطلق على هذا المؤتمر اسم «المؤتمر القومي العربي»، وكانت ابرز مواد جدول اعماله: فلسطين جزء من الوطن العربي، والدولة اليهودية مصدر تهديد له.
وفي يوم 10 ايلول 1937م، اصدر المؤتمر بيانا سياسيا اكد فيه على عروبة فلسطين، ورفض التقسيم، والمطالبة، بالغاء وعد بلفور، ووقف الهجرة اليهودية «وقد اقسم المؤتمرون امام الله والتاريخ والامة العربية، والشعوب الاسلامية ان يستمروا في النضال بالطرق المشروعة، حتى يتم انقاذ فلسطين، وتحقيق السيادة عليها».
وفي تعليق للقنصل البريطاني في بغداد السيد «سكوت» قال فيه: «ان المؤتمر لم يكن معاديا لبريطانيا، ولكن الموقف تجاه الصهيونية كان عنيفا».
يقول الشيخ تركي عن مشاركة الاردنيين في هذا المؤتمر: «كانت مشاركتنا فعالة جدا وقد توزعنا على عدة لجان، وشارك الدكتور محمد صبحي ابو غنيمة وعلى الهنداوي بصياغة البيان الختامي، وكان مؤتمر بلودان يمثل الموقف العربي تجاه توصيات لجنة «بيل» بتقسيم فلسطين، وجاء هذا المؤتمر بدعوة من لجنة الدفاع عن فلسطين في دمشق، وقد اثبتنا لاخواننا العرب اننا في الاردن اصحاب قضية، وكنا موضع احترام الجميع.....».
اللجوء السياسي الاول الى دمشق «1947م :
كان الشيخ تركي من المؤسسين لحزب الشعب الاردني الذي تأسس في اذار 1927م، وعقد اول اجتماع تأسيسي له في 14 نيسان 1927م، ولما اعيد تشكيل الحزب في شهر ايار 1947م، تم اختيار عبدالمهدي الشمايلة رئيسا للحزب، وعين الشيخ تركي عضوا في هيئته الادارية، ولم يطل الامر بالحزب فقد سارعت حكومة توفيق ابو الهدى الى حله في شهر تموز 1947م، وتردد في حينه ان الحكومة اغتاظت من نشر جريدة الحزب «الرائد» عبارات على غلاف الجريدة وصفت فيها صورة رئيس الحزب عبدالمهدي الشمايلة بانه «رجل الساعة»، الامر الذي اعتبره رئيس الحكومة توفيق ابو الهدى «سلوكا يتناقض مع سلوك الاحزاب الراقية»، فاتخذ قرارا بحل الحزب.
يقول الشيخ تركي عن قرار حل الحزب ما يلي: «كنت من المنتقدين لوصف صديقنا عبدالمهدي الشمايلة بـ «رجل الساعة» واعتبرته كلاما استفزازيا لرئيس الحكومة اولا ولجميع زعماء الحركة الوطنية الاردنية، واعترف عبدالمهدي بهذا الخطأ وقال: انا واحد منكم، لكن ابو الهدى اتخذ هذا الوصف ذريعة لحل الحزب، لانه مثل المعارضة الحقيقية لسياسة رئيس الوزراء، واصبحنا في دائرة الاتهام وتعرضنا للمراقبة اليومية، لذلك قررنا اللجوء الى دمشق للتعبير من هناك عن ارائنا ومواقفنا».
قبل مغادرة الاردن الى دمشق، عقد الحزب اجتماعا للكادر القيادي الاول، شارك في الاجتماع السادة الاعضاء: عبدالمهدي الشمايلة- تركي الكايد عبيدات- محمد اخو ارشيدة- محمد علي العجلوني- محمد الناجي العزام- شلاش المجالي- محمد السمرين خريس- مرشد ابو سالم- ظاهر الذياب- فرح ابو جابر- احمد ابو راس- محمد الحباشنة- عيسى مدانات- فريوان المجالي- ناصر الطلاق- حمزة الشريدة- هاشم طوقان- حنا العمارين- صالح النجداوي- يوسف المعايطة- ابراهيم قطيش- فرح اسحق نشيوات- عيسى قعوار- توفيق الخصاونة- امين قعوار- سالم ابو الغنم- ابراهيم شرايحة- ذوقان الحسين العواملة
وتقرر في هذا الاجتماع ما يلي :
1- عدم الاعتراف بقرار حل الحزب من قبل حكومة توفيق ابو الهدى
2- استمرار الحزب بسياسة المعارضة للحكومة وليس للنظام
3- لجوء الشخصيات القيادية الى دمشق، والمرشحة للملاحقة من قبل سلطات الحكومة وهم: عبدالمهدي الشمايلة- تركي الكايد عبيدات- محمد اخو ارشيده- محمد علي العجلوني- صالح النجداوي- عادل الشمايلة
4- تنظيم العلاقة مع المعارضة الاردنية المقيمة بدمشق
وذكر الاستاذ الموسى في كتابه «صفحات من تاريح الاردن الحديث» اضواء على الوثائق البريطانية 1946-1952» صفحة 37 ان عشرة من اعضاء الحزب القياديين غادروا الاردن الى دمشق، وكان بينهم نجل عبدالمهدي الشمايلة السيد عادل الشمايلة ليلتحقوا وينضموا الى الدكتور محمد صبحي ابو غنيمة حامل لواء المعارضة الاردنية.
وحول لجوء عشرة اشخاص من زعماء الحركة الوطنية الى دمشق ومن بينهم الشيخ تركي، يقول الاستاذ زياد ابو غنيمة في كتابه «الوزراء الحزبيون على خارطة الحكومات الاردنية -1921-2005» صفحة 108 ما يلي: يبدو ان العلاقة بين الملك المؤسس عبدالله بن الحسين وبين عبدالمهدي الشمايلة بدأت بالفتور بعد تشكيل «حزب الشعب الاردني»، وربما كان لبعض السياسيين المحيطين بالملك عبدالله مصلحة في تعكير صفو العلاقة بين الملك وبين الشمايلة، وليس من المستبعد ان هؤلاء المتصيدين في المياه العكرة انتهزوا مناسبة صدور جريدة الحزب «الرائد» وهي تحمل على غلافها عبارات التأييد للشمايلة وتصفه بانه «رجل الساعة» ليوغروا صدر الملك عبدالله على الشمايلة وعلى اعضاء حزبه باعتبار انهم يحاولون اثارة الفتن والتفرقة بمطالبتهم بان يتولى ابناء البلاد مسؤوليات الحكومة».
بـيان العـشــرة :
وصل الزعماء العشرة الى دمشق، واتخذوا فندق «فكتوريا» مقرا لاقامتهم الاولى، وكان باستقبالهم اركان المعارضة المهاجرة الى دمشق السادة: سيف الدين العجلوني، وعقاب الخصاونة، وضيف الله الحمود، وفي مساء ذاك اليوم اجتمعوا في منزل الدكتور محمد صبحي ابو غنيمة، وتداولوا معه الاوضاع العامة في الاردن، وبخاصة موضوع الحريات وتفرد رئيس الوزراء باصدار القرارات المخالفة للدستور» ومنها: فرض الاقامة الجبرية على بعض زعماء المعارضة الاردنية، واغلاق بعض الصحف التي تنتقد الحكومة بالاضافة الى مداهمة مكاتب حزب الشعب الاردني، وحل الحزب بقرار فردي من رئيس الوزراء، وفي اليوم التالي صدر عن اللاجئين العشرة بيان سياسي، شرحوا فيه اسباب ترك الوطن وقدومهم الى دمشق وانضمامهم الى المعارضة الوطنية التي سبقتهم باختيار اللجوء السياسي، واشار البيان الى المطالب التالية:
1- اجراء انتخابات حرة ونزيهة
2- بناء المدارس وشق الطرق
3- منح الحريات العامة، وتنشيط العمل السياسي الحزبي
4- انهاء المعاهدة الاردنية البريطانية
5- محاربة نفوذ الحركة الصهيونية، والمطالبة بوقف الهجرة اليهودية الى فلسطين
6- تعديل الدستور الاردني.
وقد اشار السيد سيف الدين العجلوني في كتابه «معركة الحرية في الاردن» صفحة 598 الى لجوء الشيخ تركي ورفاقه الى دمشق، تحت عنوان «بعض رجالات شرق الاردن العاملين» بقوله: «فالاردنيون جميعا الا ما ندر، كلهم ساهموا ويساهمون في النضال عن حوزتهم ومثلهم العليا، وكلهم من رجال الطليعة اذا جد الجد، فالذي لم يظهر بميدان العمل البار فانه لا يتقاعس عن مزاولة العمل المخلص بطرق اخرى مستورة كي لا يتعرض لنقمة الظلم، ولذا الجأتنا الحالة السياسية من كتم اسماء كثير من هؤلاء الزعماء البررة.. اما الذين برزوا الى الميدان وناضلوا المستعمر في وضح النهار ولا سيما وفيهم من تحمل المشاق والهجرة الى الام سورية، فلم نر مندوحة عن التنويه باسمائهم بين صفحات هذا السجل التاريخي وهم السادة: الشيخ محمد اخو رشيدة زعيم عشيرة بني حسن، والزعيم تركي باشا الكايد زعيم عشيرة العبيدات، والوجيه احمد النجداوي، والوجيه صالح النجداوي من مدينة السلط، وقد رافق هؤلاء السادة رئيس الوفد الاردني الى الحجاز...»
الرحلة الى الحجاز :
كانت العلاقات بين الملك عبدالعزيز آل سعود وبين حركة المعارضة الاردنية المقيمة في دمشق جيدة ومنتظمة، وقد وجه عبدالعزيز دعوة لقيادة المعارضة لزيارة الحجاز وتأدية فريضة الحج، وقد تشكل الوفد الاردني من السادة: الدكتور محمد صبحي ابو غنيمة، والشيخ تركي الكايد عبيدات، والشيخ محمد اخو ارشيدة، والوجيه احمد النجداوي وشقيقه صالح النجداوي، وبعد تأدية فريضة الحج استقبلهم الملك عبدالعزيز في قصره، وبارك لهم الحج والعمرة وطيب الاقامة في الحجاز.
حول هذه الرحلة كتب السيد سيف الدين العجلوني في كتابه «معركة الحرية بشرق الاردن» صفحة 597 تحت عنوان «رحلة احرار الاردن الى الحجاز» ما يلي:
«امتطى قبيل الحج بايام 1947 وفد من احرار الاردن وعلى رأسه عميد الاحزاب الوطنية الدكتور محمد صبحي بك ابو غنيمة طائرة من دمشق الفيحاء الى مكة المكرمة.. وقد اجتمع الوفد بعد اداء مناسك الحج بالمليك العصامي عبدالعزيز في الرياض، فلقي من جلالته كل حفاوة وتقدير، شاكرا للوفد ورئيسه تجشم مشاق هذه الرحلة لهذه الغاية السامية التي لا يشك جلالته بنزاهتها وباخلاص الشعب الاردني لشخصه وانه سيكون دوما وابدا مع اخوانه ملوك ورؤساء وامراء العرب عامل خير ورائد سعادة للشعوب العربية.. وقد عاد الوفد بنصائح جلالته.. واننا نسجل لحضرة رئيس الوفد وصحبه الاخيار جهادهم وحسن بلائهم في سبيل بلادهم.. وقد رافق رئيس الوفد السادة: الشيخ محمد اخو رشيدة، والزعيم تركي باشا الكايد، واحمد النجداوي، وصالح النجداوي».
وذكر لي الشيخ احمد تركي ان الرحلة الى الحجاز بدأت من مطار بيروت وليس من مطار دمشق، حيث ارسلت الحكومة السعودية طائرة خاصة للوفد، وقد عرض الملك عبدالعزيز على الشيخ تركي الاقامة الدائمة في المملكة العربية السعودية، ومنحه الاراضي التي كانت من املاك عشيرة العبيدات في منطقة ينبع» قبل الهجرة الى الاردن عام 1675م، لكن الشيخ تركي اعتذر للملك وقال له: «لا بديل لي عن الاردن مهما قست الظروف علي وعلى اصحابي، فاقامتنا بدمشق مؤقتة فرضتها علينا الظروف السياسية في بلدنا».
العمل السياسي بعد العودة الى الاردن :
لم تكن الاقامة بدمشق طويلة فقد عاد معظم اركان المعارضة، ورحب الملك عبدالله بعودتهم الى ارض الوطن، وبقي منهم الدكتور ابو غنيمة وسيف الدين العجلوني، ونهاد العجلوني، علما بان الدكتور ابو غنيمة قد لبى دعوة الملك عبدالله، الا انه عاد الى دمشق لعدم موافقته على الشروط التي عرضت عليه.
في عام 1950 رشح نفسه للانتخابات النيابية، الا ان النجاح لم يحالفه علما بان منطقة الشمال الاردني اجتمعت على انتخابه مع الشيخ سليمان السودي. يقول عن هذه التجربة الدكتور ممدوح الروسان: «في الدورة الثانية لمجلس النواب الاردني التي جرت في نيسان 1950 رشح سليمان السودي نفسه للانتخابات. وممن رشحوا انفسهم في تلك الانتخابات معه ولم يرافقهم الحظ جميعا: محمد باشا السعد، محمد باشا العزام. محمود باشا الخالد، تركي باشا كايد عبيدات.
وفي عام 1952م اجتمعت المعارضة التي كانت سابقا في دمشق، وقررت من جديد تنشيط العمل السياسي في اطار اعادة تأسيس حزب الشعب الاردني برئاسة عبدالمهدي الشمايلة العائد من دمشق. الا ان هذا الحزب لم يكتب له النجاح لان المعارضة في مجلس النواب برئاسة المرحوم هزاع المجالي، تزعمت الحركة الوطنية والمعارضة.
وفي عام 1954م، انشق الدكتور عبدالرحمن شقير عن حزب البعث العربي الاشتراكي، واخذ يدعو الى تشكيل جبهة وطنية اردنية موحدة تشمل كل الاحزاب الوطنية والقومية واليسارية بالاضافة الى الشخصيات الوطنية من زعماء ووجهاء العشائر الاردنية، وكان الشيخ تركي في مقدمة الذين استجابوا لدعوة الدكتور عبدالرحمن شقير، والتي لاقت استحسانا من السيد سليمان النابلسي، ولكنه لم يشارك بالتوقيع على طلب الترخيص للجبهة.
وبتاريخ 9 ايار 1954م، تقدم السادة التالية اسماوهم يطلبون الترخيص لهم بتشكيل الجبهة الوطنية: د. عبدالرحمن شقير- يحيى حموده- عبدالقادر الصالح- الدكتور نبيه رشيدات- محمد اليحيى- صالح عون الله- تركي الكايد عبيدات- عبدالمجيد ابو حجله- فائق وراد- فضل الطاهر- نمر حسن العزة- محمود القاضي- جودة شهوان- جريس حمارنه- فخري مرقه- محمود العبد خير الدين- رشاد مسودي- ابراهيم بكر- سليمان السودي.
ومن الواضح، ان معظم هؤلاء الذين وقعوا على طلب الترخيص ينتسبون الى الحزب الشيوعي الاردني، لذلك رفضت الحكومة الترخيص بتشكيل الجبهة الاردنية، يقول الاستاذ سليمان الموسى في كتابه المشترك مع منيب الماضي «الاردن في القرن العشرين» صفحة 599 حول رفض الحكومة الترخيص للجبهة ما يلي: «وقد رفضت الحكومة الترخيص بتشكيل الحزب «الجبهة الوطنية»، اذ لم يرد في نظامه الاساسي ما يفيد بانه يسعى لتحقيق غاياته بالوسائل السلمية، ولاسباب اخرى لا تتفق مع نصوص قانون تنظيم الاحزاب السياسية لسنة 1954م.. وكان معروفا ان اكثرية المطالبين بتأليف هذا الحزب هم من الحزب الشيوعي او من المؤيدين لهم».
وحول ادعاء الحكومة «بان عددا من المواطنين خدعوا باساليب الشيوعيين البراقة، يقول الشيخ تركي : «لم اكن انا واخي سليمان باشا السودي من المؤيدين للحزب الشيوعي على الرغم من احترامنا لنضال اعضائه مثل عبدالرحمن شقير وفائق وراد، وعبدالقادر الصالح، الا ان هدفنا كان وحدة القوى السياسية والحد من تشتتها في احزاب لم تستطع تحقيق اهدافها منفردة. وبرنامج الجبهة لم يكن من النظام الداخلي للحزب الشيوعي، بل كان من وحي الهم الوطني، بدليل ان الدكتور عبدالرحمن شقير حصل على رخصة باصدار صحيفة اسبوعية باسم «الجبهة»، وكانت مقالاتها في الشأن الوطني الاردني وليس للترويج او الدعاية للحزب الشيوعي، فالحزب الشيوعي اعترف باسرائيل لكن من اهداف الجبهة تحرير الوطن العربي تحريرا كاملا من الاستعمار والنفوذ الاجنبي والسعي لاسترداد الجزء المغتصب من فلسطين....»
وفي 7 تموز 1957م، تشكل حزب الامة برئاسة السيد سمير الرفاعي، وقد دعاه صديقه عبدالمهدي الشمايلة للانضمام للحزب الذي هو نائب رئيسه، فاعتذر الشيخ تركي وفضل التفرغ لشؤون منطقته بعيدا عن الاحزاب.
وفي عام 1958م، وبسبب الظروف السياسية، ومراقبته ومحاولة اعتقاله لجأ ثانية الى سورية وبقي لاجئا سياسيا في دمشق حتى عام 1965م، وتوفي في عام 1975م، وشارك الامير الحسن في مراسم تشييعه .